كل شيء يمكن فهمه إلا الحديث عن “الصعود” الصيني على كتفي هذه الكارثة العالمية.
وكالة الأويغور للأنباء
15-04-2020
مروان الغفوري
مبدئيا، يتعاطف المثقف العربي مع النظام الفاشي في الصين، كما يفعل في كل حياته. فهو إما يساري، قومي، أو إسلامي. أي، في النهاية: مثقف براميلي (الشكر للعزيز خلف علي خلف على هذا الابتكار). البراميلية تأخذ أشكالا مختلفة.
يقوم الاقتصاد الصيني على التصدير. التصدير يتطلب أمرين: السمعة الجيدة، والطرق المفتوحة. غير كورونا، وسيغير، هذه اللوجيستيات.
لا تمثل الديكتاتورية الصينية أي إلهام أو إغراء، على وجه الخصوص بالنسبة للجيلين Z و Y. في هذا الكارثة ارتفعت الساينوفوبياSinophobia، الخوف من الصين، إلى درجاتها القصوى. ثمة خطابات قومية وعابرة للحدود تضع الصين في درجة العدو للحضارة. الشعبوية في أوروبا وخارجها وجدت عدوا جاهزا، واتخذته وسيلة لتأكيد خطابها المناهض للعولمة (أي للبضاعة الصينية). الهند، الخصم التاريخي للصين، تقدم نفسها كبديل جاهز، فهي أكبر ديموقراطية في العالم (بصرف النظر عن التفاصيل) وبمقدورها أن توفر للأموال الطائرة ما تحتاجه: استثمار بأقل الشروط، وعمالة بأقل التكاليف.
يمكننا القول، وهذا ليس بلا دليل، إن كورونا ضرب مشروع الحزام والطريق على نحو مميت. القيمة الإئتمانية للصين تعيش وقتا حرجا. وباستثناء المثقف العربي البراميلي فإن العالم يقف أمام حقيقة تجاهلها كثيرا، أو رفض الاعتراف بوجودها: هذا ما يمكن أن يجري في العالم عندما تكون القوة الأكبر فيه بلا كابح (الديموقراطية هي الكابح، وهي التي جاءت بأوباما لينسحب من حروب بوش).
يتحدث قادة كل الدول عن عالم ما بعد كورونا. وبالطبع فإن الحديث ينصرف إلى إعادة تعريف الحدود، الأمن القومي، الأمن الدولي، والتجارة. قبل أعوام قال الرئيس الصيني إنه يرفض ترك العملة لقوى السوق، ذلك إن ارتفاع عملة بلاده سنتا واحدا سيجعلها تخسر ستة ملايين وظيفة خلال أيام. ماذا لو عادت الحدود ووضعت الأحجار في “الحزام والطريق”؟.
لنتذكر أن الحديث عن النمور الاقتصادية، نمور آسيا، توقف عندما طارت الأموال من هناك إلى بلدان أخرى، منها الصين، بعد هزة كبيرة حدثت في معاقل النمور. ولأن الأراضي الجديدة وفرت عمالا أرخص وشروطا أقل قسوة. تقدم دول كبيرة مثل المكسيك والهند هذه الخدمات.
أغلب التغييرات الكبيرة التي ستحدث في عالم ما بعد كورونا ستنال من الفرصة الصينية، ومن مجالها الاقتصادي الحيوي. دفع ١١/٩ العالم إلى الحديث عن الديكتاتورية بوصفها الخالق الأهم للظاهرة الإرهابية، وظهرت دراسات كبيرة لاحظت أن ٨٠% من التمظهرات الإرهابية نتجت بصورة مباشرة عن قمع سياسي. عايشنا تلك الحقبة وتابعناها عن كثب، وعاد المثقف الأوروبي آنذاك لتذكر مقولات الآباء المؤسسين للديموقراطية، واستعاد مهمة وعبء الرجل الأبيض الذي عليه أن يحمل شعلة الحرية إلى كل بيت في الدنيا. بعد كل هزة عالمية تتكيف الحضارة بشكل ما، ويتغير نمط حياتنا (اختطاف الطائرات غير تعريفنا لمفهوم الأمن. ما الذي سيفعله كوفيد ١٩).
الصين التي تتستر على الفيروسات المدمرة، هي الصين التي تنتج أسوأ البضاعات، وهي التي تسرق براءات الاختراع غير آبهة بأي أخلاق، وهي التي، مستندة إلى كل ذلك، تريد أن تقدم نفسها كنموذج للأخ الأكبر الصالح. في السنوات الأخيرة برزت الصين كقوة شديدة العدوانية ضد الدول الصغيرة المحيطة بها، كالفلبين، وغيرت طبيعة البحار وأسماءها، ووضعت مليون مسلم في أكبر سجن في التاريخ، وأسست قنوات بمختلف اللغات تصل إلى ٢٠٠ مليون مشاهد يوميا تركز في جوهرها على قيمة أساسية: ربط الديموقراطية بالفوضى والفقر! لقد راكمت الأعداء بالتدريج.
النظام الصيني، بطبيعته الفاشية، هو تحد حقيقي للحضارة وليس أحد حارسيها. وأخطر ما فيه هو التحولات الجوهرية التي طرأت على بنيته مؤخرا. فقد انزلق في السنوات الماضية من ديكتاتورية المنظومة، الحزب والجماعة، إلى نظام الفرد. عمل الرئيس Xi على إبعاد الرجال الأقوياء، فرغ الحزب الحاكم من مراكز القوى والمشاركة، وخلق منظومة جديدة هو أقوى من فيها. ولضمان استمرار دولته الفردية لا بد أن يتمتع كل من حوله بالضعف الشديد. سبق للاتحاد السوفيتي أن مر بتجارب مشابهة، الانهيار من المنظومة إلى الفرد، وسرعان ما خرج منها. ما يجعلنا نعتقد أن نموذج الفاشية الذي يمثله Xi ليس مخيفا وحسب، بل هشا من الداخل ويعاني من تناقضات وكمائن داخلية.
لا تلهم الصين سوى البراميلين، أولئك الذين نادرا ما يحيلون في كتاباتهم إلى أي مرجعية ليبرالية. هم تنابلة “الرجل القوي”، وبقايا الأحلام الشمولية المحطمة ..