حكاية حب أويغوري
بلادٌ تحتلها كاميرات المراقبة وأجهزة التنصت، وتحكمها أيديولوجيا قمعية، مسلحة بالتكنولوجيا الذكية.
في شوارعها، رجال أمن غرباء متشككون، وشعب خائف، حذر.
في المعدل، هناك كاميرا مراقبة واحدة لكل 10 مواطنين.
وفي كل هاتف، يتجسس برنامج على الكلمات الممنوعة، مثل اسم الجلالة!
تصبح مشبوها، وقد تتعرض للاعتقال إذا قلت (الله حافظ) أو (السلام عليكم) لأخ أو صديق، أو طلبت طعاما حلالا، أو هنأت برمضان والعيد!
لو زرت تلك البلاد، سترى مئات الأشخاص واقفين في كل ساحة عامة أمام علم صيني عملاق. المشاركة إجبارية كل صباح في احتفالية رفع العلم، والمتأخرون يعاقبون أو يتهمون بالجنون.
هكذا يصف طاهر أمين الواقع المر في بلاده. وهذا الواقع، وفق ما يقول، “امتياز” يخص الأحرار من أبناء شعبه، أما مئات الآلاف المحتجزين في مخيمات (إعادة التثقيف) فواقعهم مأساة كاملة.
من هو طاهر أمين؟ وأي بلاد هذه؟
الهوية الضائعة
طاهر أمين ناشط ويغوري يعيش لاجئا في العاصمة الأميركية واشنطن.
والويغور قومية من أصول تركية. هم حوالي 11 مليون شخص، يعيشون في إقليم شِنْجَانْغ غرب الصين، الذي يسميه أهله تركستان الشرقية.
تفرض الصين تعتيما إعلاميا على قضية الويغور.
وفي محاولة لفهم المأساة الويغورية بتفاصيلها الإنسانية، التقى بودكاست (سوا+) الويغوري طاهر أمين. وفي قصة صوتية، يروي أمين قصة نشأته، وسجنه وهربه من الصين.
يقول أمين إن الويغور كان لهم دولة مستقلة احتلتها الصين عام 1949. يقول أيضا إن الاتحاد السوفيتي في صراعه مع الولايات المتحدة الأميركية دعم الصين في سيطرتها على تركستان. وبعدها، فرض الحزب الشيوعي الصيني الحاكم على الويغور الاندماج لتثبيت السيادة الصينية على الأرض.
ترفض الصين هذا وتقول إن إجراءاتها في إقليم شِنْجَانْغ تصب في مواجهة المتشددين الإسلاميين.
ألم يومي
يقول طاهر أمين إنه يعيش في منفاه عذابا دائما. يبكي كل ليلة. يفكر بابنته شهربانو. بزوجته حورية. بأمه طوخان. بأخيه عادل. باخته باتيغول. وبأبناء عمومته: علي ويوسف وعبدالغفور.
عائلة أمين كلها تتعرض للعقاب الآن، بعضهم في السجون وآخرون في مخيمات “العمل القسري”.يقول أمين إن عائلته بأكملها تدفع ثمن قراره الهرب من الصين.
لكن لماذا هرب طاهر أمين؟ وكيف هرب؟
مدرسة سرية
تبدأ القصة منذ طفولة طاهر. يولد في قشغر لأب يعمل في النقل ووالدة تعمل خياطة.
يقول إن الصين لطالما منعت الويغور من تدريس الإسلام واللغة العربية لأبنائهم. لذلك، كان عليه الالتحاق بمدرسة سرية في طفولته ليتعلم أصول الدين واللغة العربية. كان عليه أن يسافر طلبا للعلم إلى مدينة خوتان.
في 1997، يعود أمين إلى مدينة آبائه قشغر، ويصبح مدرسا دينيا بالسر.
في تلك السنة، وعمر طاهر لم يتجاوز 17 سنة، تشن الصين حملة ضد مدرسي الإسلام واللغة العربية.. أساتذته كلهم دخلوا السجن. لكن طاهر ينجو من الاعتقال مؤقتا.
السجن أول مرة
في عام 2000، يعتقل الأمن الصيني طاهر. يقضي ثلاث سنوات بين السجن والاعتقال المنزلي.
يتذكر أمين القمع الذي تعرض له في السجن. يقول إنه شاهد مجموعة من رجال الشرطة الصينيين ينهالون ضربا على معتقل ويغوري لإنه شكا من ألم في رجله وكان بطيئا في صف السجناء عندما كانوا يستلمون وجبة طعام.
أمين ذاته تعرض للتعذيب، وفق ما يقول. يعرض جرحا غائرا في يده. ويروي أن رجال الشرطة أمسكوا سلاسل قيده وجروه على الأرض فأدموه وجرحوا يديه.
يخرج طاهر من السجن في 2003، وعمره 23 سنة.
يقول “فكرت، بما أن الصين لا تريد أنشطة دينية، فلأجرب الأنشطة الثقافية”. يفتتح مركزا ثقافيا في عاصمة الإقليم ئۈرۈمچى، ويبدأ حياة جديدة.
السجن مرة أخرى
يقضي طاهر أمين سنة وشهرين في زنزانة صغيرة مع 20 سجينا كلهم من الهان، قومية الأغلبية في الصين، ولا أحد من الويغور معه. يقول طاهر أمين إن المساجين الهان نكلوا به.
وبعد 14 شهرا في السجن. يؤجر الأمن الصيني السجناء للعمل بالسخرة في مشروع للجيش. في معسكر عمل قسري يسمونه (إعادة التثقيف من خلال العمل). يقضي طاهر هناك 10 أشهر.
يتذكر طاهر أحد المواقف التي عاشها في السجن. يقول: “حققوا معي تسعين ساعة عندما اعتقلوني في 2005. أجلسوني على مقعد من حديد. اسمه عند الشرطة: كرسي النمر. قيدوا يدي بالمقعد. وكان ممنوعا علي أن اتحرك لمدة 14 ساعة متواصلة. طلبت أن اذهب إلى المرحاض. عذبوني أولا، ثم أخذوني إلى المرحاض. لن أنسى ذلك أبدا. عندما كنت أحاول أن أخلع سروالي، كان السروال ملتصقا بجلدي. وكلما خلعت جزءا من السروال، خلعت معه جلدي ولحمي. كان الدم في كل مكان. عندما حاولت الوقوف من كرسي النمر للذهاب إلى المرحاض، لم أقدر على الوقوف. أوقفني شرطيان. في المرحاض، استغرقني خلع سروالي عشرين دقيقة”.
حورية
يخرج طاهر أمين من السجن في 2008. يتزوج أستاذة جامعية اسمها حورية، ويعيش السعادة.
تنجب زوجته طفلتهما شهربانو. وفي تلك الفترة، يعمل طاهر أمين في الترجمة والدبلجة ويقوم بأنشطة ثقافية متنوعة للحفاظ على اللغة والثقافة المحليين..
لكن الصين ستكثف قمعها في 2016 مع قدوم سكرتير عام جديد للحزب الشيوعي إلى شِنْجَانْغ.
يبدأ القائد الجديد حملة تنكيل. في البدء، يعتقل المفكرين ورجال الدين، وكبار المسؤولين من الأويغور.
اعتقد طاهر أن الدور عليه. وقرر الهرب.
إلى إسرائيل
تسجل طاهر للدراسة في جامعة حيفا في تخصص العلاقات الدولية. وجدها فرصة ليفهم تاريخ صراع سمع عنه كثيرا: الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
يقضي طاهر في إسرائيل خمسة أشهر. يتصل به الأمن الصيني ويأمره بالعودة.
يقول طاهر إن الأمن الصيني هدده باعتقال أمه واخوته وكل عائلته إن لم يعد. وهددوه أيضا بأنهم سيأتون إلى إسرائيل ويعتقلونه هناك. قالوا إن إسرائيل ستسلمه للصين.
كان الشهر رمضان. اعتكف طاهر في المسجد الأقصى. تذكر مسجد اتقا التاريخي في قلب غشقر. في القدس، التقى مصلين من دول مختلفة. وشرح قضية الويغور.
وصلى. دعا الله أن يوجهه لطريق الأمان.
الهرب
حصل طاهر على فيزا للويلات المتحدة الأميركية. جاء إلى واشنطن، وبدأ يفكر في لم شمل عائلته.
بدأ التهديد مبكرا. فور وصوله إلى واشنطن، اتصل به الأمن الصيني وهدده بالاختطاف.
قالوا له: نحن الأقوى، ويد الصين ستطولك في أي مكان.
لم يرضخ طاهر، فقررت الصين الانتقام.
أجبر على طلاق زوجته، وقاطعته طفلته، وصادر الأمن أملاكه، واعتقل أمه طوخان وأخاه عادل وأبناء عمومته يوسف وعلي وعبدالغفور، وأرسلوا اخته لمعسكر اعتقال.
قصة شعب.. قصة فرد
طاهر أمين ويغوري واحد من بين 11 مليونا. يعتبر قصته “عادية جدا” بالمعايير الويغورية، ويتحدث عن قصص مرعبة لاغتصاب جماعي وتعذيب وتنكيل نفسي على نطاق واسع.
يقول: “كل قلب ويغوري مثقل بالألم. الكثيرون مصابون بالإحباط لأن لا أحد يستمع لهم. لا يهتم أحد”.
يضيف: “ويغوريون كثيرون اختاروا، للأسف، أن ينتحروا.. وآخرون كفروا بكل شيء”.
لاستماع بودكاست اضغط رابط مصدر التالي: